هجرة الأطباء التونسيين: نزيف الكفاءات وتحديات التنمية الوطنية
جاري التحميل...

هجرة الأطباء التونسيين: نزيف الكفاءات وتحديات التنمية الوطنية
منذ عام 2019، يغادر أكثر من ألف طبيب تونس سنوياً، أي أكثر من 6000 طبيب غادروا في ست سنوات، متوجهين بشكل أساسي إلى أوروبا، ولكن أيضاً إلى كندا ودول الخليج، علماً أن بلادنا تُخرّج سنوياً ما بين 1300 و1500 طبيب. تستمر هجرة الكفاءات التونسية إلى الخارج في إثارة نقاش حاد. هذه الظاهرة، على الرغم من أنها تحمل فرصاً للمواهب المحلية، إلا أنها تثير أيضاً مخاوف حقيقية بشأن آثارها على التنمية الوطنية. (صورة: أطباء تونسيون في سان دوني، شمال باريس).
لطفي الساحلي

كشفت زيارة إلى بيزييه، وهي بلدة صغيرة في جنوب فرنسا، عن حقيقة لافتة: ما يقرب من عشرين طبيباً تونسياً يمارسون مهنتهم في المستشفى المحلي هناك. تُظهر المؤسسة حاجة ملحة لأطباء عامين ومتخصصين، وهؤلاء الأطباء التونسيون يشعرون بالرضا التام، على الرغم من عبء العمل الساعي الأعلى مما هو عليه في تونس. البيئة العامة الأكثر ملاءمة تشجع تحررهم المهني والاجتماعي والجمعوي والثقافي والرياضي، وكذلك تحرر عائلاتهم.
حجج مقنعة
يختار العديد من الشباب الخريجين، لا سيما في مجالات الطب والهندسة والتكنولوجيا، الهجرة بحثاً عن ظروف عمل أفضل. إن جاذبية الرواتب، واستقرار أنظمة الصحة والتعليم، والوصول إلى الثقافة، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على جنسية أوروبية تسهل التنقل، تشكل حججاً مقنعة. بالتوازي، تساهم تحويلات العملات الأجنبية من قبل الجالية التونسية في الخارج بشكل إيجابي في ميزان المدفوعات التونسي.
ومن المفارقات أن هذه الديناميكية تخلق أيضاً فرصاً داخلية. فالمغادرة الجماعية للمهنيين تفتح المجال أمام إدماج الخريجين الشباب في السوق المحلية، لا سيما أولئك الذين ينتظرون وظائف منذ سنوات. وبالتالي، يمكن أن يمثل الاستبدال التدريجي لبعض الكوادر بجيل جديد رافعة لتجديد النسيج المهني التونسي.
خسارة صافية للبلاد
ومع ذلك، يبقى الجانب السلبي كبيراً: تستثمر تونس بشكل كبير في تدريب مواهبها، غالباً من خلال تعليم جامعي حكومي عالي الجودة. إن رؤية هذه الكفاءات تغادر بمجرد أن تصبح جاهزة للمساهمة في الاقتصاد الوطني تشكل خسارة صافية للبلاد. أما الدول المضيفة، فتستفيد من الكفاءات المؤهلة دون تحمل تكاليف تدريبها.
في مواجهة هذا المعضلة، يصبح من الضروري إعادة التفكير في سياسات استبقاء الكفاءات، مع تثمين مساهمة الجالية في التنمية الوطنية. إن تحقيق توازن بين التنقل الدولي والتثمين المحلي أمر لا غنى عنه للحفاظ على مصالح البلد الأصلي.